داعش والحرب الإلكترونية – الجزء الأول
كانت شبكات ومواقع التواصل الاجتماعية وما زالت جزءاً لا يتجزأ من سر بروز تنظيم “الدولة الاسلامية” أو ما بات يُعرف بـ “داعش” في المشهد العالمي. اذ يستغل هذا التنظيم الشبكات الاجتماعية في التسويق لمعاركه وانتصاراته كما -وهذا الأهم- يستخدمها لاستقطاب وتجنيد المقاتلين من كل أنحاء العالم.
واللافت في الأمر، أن متوسط أعمار المقاتلين الأجانب في داعش يبلغ نحو 24 سنة، أي أننا نتحدث عن جيل التسعينات الذي يشكل الغالبية من رواد الشبكات الاجتماعية. وتأتي الشبكات الاجتماعية في سلم أولويات التنظيم لنشر البروباغاندا الخاص به، من دون اغفال بعض العناصر التقليدية التي ساهمت بشكل أو بآخر في نشر أفكاره المتطرفة كالكاسيت، والفيديو، وغيرها من الوسائل.
لكن ما سر استخدام داعش الشبكات الاجتماعية؟
تستفز داعش الرأي العالمي بإنتاج فيديوهات الإعدام وبدقة عالية وترجمة متقنة. لا يتوقف الأمر على القتل فحسب بل تتفنن في طرق القتل سواء بالحرق أو الدعس وما إلى ذلك. وكل ذلك مصور وممنتج بشكل يثير الحنق في كل إنسان سوي. تعمل داعش كذلك على إغراق الهاشتاقات العالمية برسائلها الجهادية كما حصل مع هاشتاق حريق احد الفنادق في دبي وذلك في عيد رأس السنة حيث عمدت الحسابات الوهمية التابعة لداعش إلى وضع روابط الكترونية ملوثة أو صورة لرأس مقطوع مع تعليقات تثير الرعب بين المستخدمين.
وهذا ايضا ما حدث في احداث فرنسا- نيس الدامية التي حدثت قبل ايام، وبذات الوقت لاحظنا انتشار لصور الجثث ومقاطع الفيديو التي استخدمها افراد داعش داخل هاشتاغات خاصة مثل #نيس #فرنسا وغيرها.
وبالوقت نفسه، يستخدم مقاتلو ومناصرو داعش العديد من برامج المحادثة المشفرة بالكامل لكي يتمكنوا من التواصل والتنسيق سواء للأعمال اليومية أو للتحركات الحربية ومنها تطبيق المحادثة “Telegram”، حيث يُعد تيليغرام احد اهم التطبيقات الذي يتم استخدامه لنشر رسائلهم والاخبار المتعلقة بالعمليات الانتحارية. كما يستعمل بعضهم تطبيق “Signal” وهو تطبيق مشفر ايضاً للمكالمات الصوتية ورسائل الدردشة حيث يلجأ المقاتلون في صفوف التنظيم الى استخدام ارقام هواتف مزيفة للتسجيل في تلك التطبيقات ظناً منهم انهم غير معروفين.
ولا تقتصر البروباغندا على الطابع العنفي، اذ يعمد التنظيم إلى إنتاج أفلام وثائقية تصور الحياة «الهادئة» داخل المدن التي تسيطر عليها داعش، إضافة إلى استخدام تطبيق الانستغرام instagram لإظهار الجانب الإنساني من المقاتلين، حيث يصور مقاتلو التنظيم قططهم وجوانب أخرى من حياتهم الشخصية بوصفهم مواطنين هانئين داخل دولة فعلية.
الجدير بالذكر ايضاً ان تنظيم داعش يقوم بتجنيد المقاتلين الجدد عن طريق مجلته الشهرية الصادرة باللغة الإنكليزية «دابق» والتي تتناول مختلف المواضيع من السياسة والدين إلى صنع القنابل.
وتتمتع المجلة بجودة إنتاج عالية لا تقل عن تلك الموجودة في أفضل المجلات احترافية. كما يجند داعش عن طريق إرسال الدعوات والهدايا الشخصية للانضمام اليهم، وذلك بشحن الهدايا أو تذاكر السفر إلى المتعاطفين معهم. ويتم استخدام شبكة الانترنت المظلم للتخفي ونشر تلك المجلات ومقاطع الفيديو ظناً منهم انها غير مراقبة.
ويظهر اثناء بحثنا حول هذا الموضوع تحديداً أن استخدام داعش للشبكات الاجتماعية ليس استخدام هواة، بل يقوم على خبرة تقنية قوية. كمثال على ذلك، طورت داعش تطبيقا يدعى «فجر البشائر»، حيث يمّكن للمستخدم تحميله، ليقوم البرنامج -وباستقلال كامل- بالتغريد الآلي عن المستخدم بالصور والفيديو والمحتويات الدعائية، خاصة أثناء صعود الهاشتاقات.
استطاعت داعش أن تخترق العديد من الهاشتاقات بهذه الطريقة التي تتطلب خلفية تقنية لتنفيذها. كما يمتلك داعش فريقاً تقنياً خاصاً لتوعية المقاتلين بأهمية استخدام التطبيقات والرسائل المشفرة فيما بينهم، وهو دليل على وجود خبراء تقنيين بينهم ايضاً.
وبنفس الوقت، فان المواقع التقنية الكبرى لم تقف موقف المتفرج من اقتحام داعش لصفحاتها. اذ أعلن تويتر أنه حظر أكثر من 110,000 حساب متعاطف مع داعش. ولكن ما إن يتم حظر احد الحسابات، حتى تعود من جديد بأسماء جديدة مختلفة وهكذا تستمر اللعبة الى ما لا نهاية. أما فيسبوك فقد اتخذ استراتيجية مشابهة من حذف وتعطيل للصفحات والمستخدمين المتعاطفين. كما عمد محرك غوغل للبحث إلى توجيه المستخدمين الذين يبحثون عن طرق السفر إلى سوريا أو الانضمام للجماعات الجهادية، إلى محتوى مضاد من فيديوهات ومواد توعوية.
كما أن الجهود الفردية لها دور كبير في محاربة التنظيم. اذ يعمد البعض إلى تمثيل دور المتعاطف مع داعش لكي يجمع المعلومات المختلفة من عناصر التنظيم وعن مواقعهم ومن ثم تسليمها للسلطات المحلية، ما يساعد على صد هجمات محتملة كما حصل فعلا في تونس. إضافة إلى جهود التقنيين في استهداف مواقع التنظيم وحساباتهم بدعايات وهجمات مضادة لفكر التنظيم.
اما على صعيد الهجمات الإلكترونية التي قام التنظيم بتنفيذها فقد كان أبرزها الهجوم على شبكة “تي في 5 موند” الفرنسية على أيدى أفراد يقولون إنهم ينتمون إلى تنظيم “داعش”، وهو ما أدى الى توقف جميع قنواتها التلفزيونية عن البث، وفقدانها السيطرة على مواقعها الإلكترونية لساعات، وقد نشر التنظيم حينها عدة رسائل تهديد وتحذير من مشاركة فرنسا فى الهجوم على التنظيم.
وفى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) قامت مجموعة تابعة للتنظيم تطلق على نفسها “الخلافة الإلكترونية”، بقرصنة حساب مجلة “نيوز ويك” على “تويتر”، لتنشر صوراً لمقنّع كتب فوقها “أنا داعش” أو “JE SUIS ISIS” مع عبارة “CYBERCALIPHATE”.
كما قامت مجموعة تطلق على نفسها اسم “قسم القرصنة بالدولة الإسلامية” بنشر معلومات قالوا إنها لعناصر بالجيش الامريكى ومدنيين يتعاملون مع الأجهزة العسكرية.
ولهذا السبب وأكثر ادعوا كافة الدول لأهمية وضع استراتيجية دولية لمحاربة القرصنة والهجمات الإلكترونية التى تمثل تهديداً ملحًا للعديد من الدول المشاركة فى الحرب على التنظيم، وضرورة مشاركة الشركات الكبرى والعملاقة فى المجال التقني فى هذه الحرب، بالإضافة إلى تعاون مواقع التواصل الاجتماعي الكبيرة في محاصرة وتتبع الجماعات المتطرفة وغلق كافة حساباتها التى تنشر أفكارها الخبيثة من خلالها.